هل تخيّلت التحليق في السماء عائدًا لمنزلك؟

بدءًا من بناء المباني المطبوعة ثلاثية الأبعاد إلى إدخال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الذكية وسلسلة الكتل (البلوك تشين) في الصناعات المختلفة، تعمل الإمارات العربية المتحدة على تحويل نفسها من خلال تبني مختلف التطورات التكنولوجية. وتتضمن مهمتها الأخيرة مفاهيم وسائل النقل المستقبلية التي ستتيح إمكانات منقطعة النظير في مساحات البناء والتصميم. ففي سبتمبر، اختبرت دبي أول سيارة أجرة جوية آلية من صنع شركة فولوكوبتر، وهي شركة ألمانية متخصصة في تصنيع المركبات الجوية ذاتية القيادة. تبلغ سرعة الطائرة بدون طيار ذاتية التحليق ذات المقعدين 100 كيلومتر في الساعة، مع حد أقصى لوقت الطيران يبلغ 30 دقيقة. كما تقدم سلطات الطرق والطاقة في دبي حوافز لتشجيع سائقي السيارات على شراء سيارات كهربائية خالية من انبعاثات الكربون، حيث تريد الإمارة إدخال 42,000 مركبة كهربائية في شوارعها بحلول عام 2030. وسيستمتع السكان بفوائد مثل الشحن العام المجاني، ومواقف مجانية للسيارات، وتسجيل مجاني للسيارة الكهربائية، وبطاقات سالك مجانية، وملصق لوحة ترخيص يُحدد المركبة على أنها سيارة كهربائية.

صرَّح وليد الهندي -الرئيس التنفيذي لشركة إمكان، وهي شركة مطورة مقرها أبوظبي- بأن وسائل النقل الجديدة سيكون لها تأثير كبير على طريقة تصميم البيئات الحضرية. وأضاف أنه في حين أن الكثير من الأماكن العامة اليوم مخصصة للسيارات، فإن السيارات ذاتية القيادة وتقنية مشاركة الركوب تعد بتقليل الحاجة إلى أماكن وقوف السيارات.

كما ذكر الهندي أيضًا “تُستخدم معظم السيارات في الوقت الحالي بنسبة 5 في المائة فقط من الوقت، وبسبب التركيبة السكانية لدولة الإمارات العربية المتحدة، فإن معظم الرحلات تضم عددًا قليلًا نسبيًا من الركاب”. وأضاف قائلاً “تعد التقنية الجديدة بزيادة كفاءة استخدام المركبات. ونتيجة هذه الكفاءة الأكبر تأتي إمكانية تصميم الأماكن العامة الأكثر صحةً، والتي تضم المزيد من مناطق المشاة، والمزيد من الحدائق والأشجار، ومساحة أكبر للمجتمع “.

مواقف سيارات مبتكرة

إن مشروع إمكان الذي يعد خطوة في هذا الاتجاه -مشروع ميكرز ديستركت متعدد الاستخدامات في جزيرة الريم-  في مرحلة التفكير حاليًا. وسيشمل مرافق للسيارات الكهربائية وسيستوعب تقنيات النقل الجديدة مثل السيارات ذاتية القيادة.

صرَّح الهندي “إنه يدمج المكونات التجارية والسكنية في منطقة مخصصة للمشاة تشجع على تشكيل المجتمع”. وأضاف قائلاً “من خلال المساحات العامة والمشتركة، سيوفر منصة للمبدعين والفنانين المحليين لتقديم أعمالهم إلى مجتمع أبوظبي الأوسع. لقد صُمِّم مبنى “ذي آرتيري” -وهو عبارة عن هيكل هجين جديد يقع في قلب ميكرز ديستركت- ليكون له استخدامات متعددة بالإضافة إلى توفير خدمة وقوف السيارات المكتظة”.

كما أوضح الهندي أن مواقف السيارات يُنظر إليها تقليديًا على أنها مساحات سلبية ضرورية للتطورات التي تدعمها.

وذكر الهندي “إنها عادةً ما تكون غير مشغولة خارج ساعات الذروة، مع وجود مناطق ميتة في أماكن وقوف السيارات الخاصة بالمكاتب بعد ساعات العمل، ومناطق ميتة في المناطق السكنية خلال ساعات العمل”. وأضاف قائلاً “بالنظر إلى مقدار المساحة التي تشغلها، كان استخدامها تقليديًا غير فعال تمامًا، وبالتالي غالبًا ما تُهمش -من الناحية المادية والفكرية- باعتبارها أحد مكونات أي تطوير.”

أما من خلال مشروع ميكرز ديستريكت، تقوم إمكان بتحويل أماكن وقوف السيارات إلى بؤرة مركزية للتطوير. لقد صرَّح الهندي “من خلال تصميم منحدر حلزوني مزدوج مبتكر، أضفينا مرونة على الاستخدامات المتعددة المتزامنة لمساحة وقوف السيارات، مما يسمح باستخدام عناصر كبيرة منه للأغراض التجارية والإبداعية، بمعزل عن الضوضاء والتلوث التي تولدها السيارات عادةً”. واضاف “يمكن أن يُستغل مبنى “ذي آرتيري في شكل مكان لإقامة الفعاليات وقاعة للمؤتمرات، ويمكن استخدام المنصات الموجودة على المنحدر الحلزوني الإضافي في كل شيء بدءًا من المساحات الجدارية الفنية إلى ملاعب كرة السلة”.

المساحات الذكية

أي وقت مضى، كما أشار مايكل فاولر المدير الإداري لشركة ايداس الشرق الاوسط. ذكر فاولر “عندما يكبرون ويشاركون حياتهم في الوقت الحقيقي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، سيعيش الجيل القادم في المدن التي تركز على المساحات المجتمعية أكثر من القلاع الفردية”. وأضاف “في عالم غني بالواقع الافتراضي والواقع المعزز، ستصبح المباني خلفية وليست محتوى. وفي المقابل، ستكون الوحدات السكنية أصغر، لكنها أكثر ذكاءً بكثير. وحتى الآن، يحتوي الهاتف الذكي على تقنية أكثر من الوحدة السكنية النموذجية، لكن هذا الأمر سيتغير مع تحويل إنترنت الأشياء والروبوتات والذكاء الاصطناعي منازلنا إلى آلات حقيقية للعيش”.

على الرغم من أن النقل بالطائرات بدون طيار سيُنفذ حتمًا، يبقى أن نفكر فيما إذا كانت منصة هبوط الطائرات بدون طيار ستصبح ميزة حيوية في كل تطور بنفس الطريقة التي أصبحت بها مواقف السيارات الآن ضرورة أم لا.

يقول فاولر: “قد تكون الطائرات بدون طيار حلًا للازدحام المروري طالما كان عددها محدود”. وأضاف “إذا استحوذت الطائرات بدون طيار على حصة كبيرة من حركة المركبات الحالية، سيصبح الازدحام في الهواء مشكلة، على الرغم من الفائدة المتوقعة من التحكم المركزي الآلي. فإن مجرد نقل وسائل النقل الفردية إلى السماء ليس حلًا مثاليًا حقًا”.

ومع انتشار السيارات الكهربائية ذلك، ستساعد في تقليل التلوث وزيادة كفاءة الطاقة، لكن هذا لن يغير التحديات الأساسية لحركة المرور في المناطق الحضرية. ذكر فاولر “إن إمكانات القيادة الذاتية لكل من الطائرات بدون طيار والسيارات ستؤدي إلى كفاءة أكبر في النقل”. وأضاف “من خلال السماح بدرجة من التنسيق والتعاون تختلف عن الصورة النمطية للسائقين البشر، ستكون المركبات الآلية أكثر أمانًا وكفاءة. ومع ذلك، يجب أن يتغير نموذج السيارة الخاصة والسائق”.

في حين أن هناك الكثير من الحديث عن استعداد صناعة البناء للتغيير، صرح فاولرز أن صناعة البناء كثيفة الاستخدام لرأس المال تظل تقليديًا بطيئة التغيير. كما ذكر “تحتاج قوانين البناء ولوائح التخطيط إلى مزيد من المرونة للترحيب بالتقنيات الجديدة”. وأضاف “يجب أن تصبح الترتيبات التعاقدية أكثر تعاونًا بدلاً من التضارب. ويجب أن تصبح عملية التسليم الكاملة للمساحات المبنية صناعية، حيث يُنظر إلى المباني على أنها منتج ممتاز عالي الجودة أكثر من كونها تحفة مخصصة للمطور أو المصمم أو الباني.”

التغييرات الوظيفية

مع قيام المطورين بتكييف تطوراتهم وتحويلها لتلبية احتياجات الأشخاص الذين يعيشون فيها، تقوم الحكومة أيضًا بدور استباقي في إبقاء أصحاب المصلحة على رأس سياساتها. ذكر ناثان هونز الشريك في كارتر أسوشيتس “لقد رأينا في دولة الإمارات العربية المتحدة تغييرات في قانون مكافحة الحرائق في أعقاب الحوادث المتعلقة بالحرائق، والتي كشفت عن أوجه قصور في بعض المواد وتقنيات البناء”. وأضاف “لا تستجيب السلطات والإدارات البلدية في أي بلد آخر في العالم بهذه السرعة لإجراء تحسينات في القوانين واللوائح، لا سيما فيما يتعلق بسلامة الأشخاص.”

وفي حين أن المطورين قد يجدون صعوبة في تلبية المتطلبات الجديدة، يعتقد هونز أنهم يتبنون التغييرات ويستخدمونها بدورهم لإنشاء نقاط بيع فريدة  في تطويراتهم.

كما ذكر هونز “في ظل المنافسة الشديدة بين مطوري المجتمعات السكنية والتطويرات التجارية، فإن أي دليل على أن المطور يمكن أن يوضح أنه يستجيب للأوقات المتغيرة ويدمج الاحتياجات المستقبلية والبنية التحتية لدعم ذلك، يمكن أن يساعد فقط في دعم المبيعات وتحويل المخزون”.

يتوقع هونز في المستقبل المزيد من توحيد المباني الشاهقة حول نقاط النقل في المدن الكبرى.

وأضاف “تزداد شعبية الطائرات بدون طيار بمعدلات سريعة. وسوف تحتاج نقاط الصعود والإنزال وإمكانية الوصول والبنية التحتية الأمنية إلى التكييف لتكون قادرة على استقبال مستقلي الطائرات بدون طيار. ونحن نرى بالفعل مواقع مواقف سيارات تفضيلية للمركبات منخفضة الوقود والسيارات الصغيرة والسيارات الكهربائية. أما في المستقبل، سيُخصص للسيارات ذاتية القيادة أيضًا أماكن وقوف رئيسية في مواقع يسهل الوصول إليها.

وحاليًا، تتطلب السيارات الكهربائية محطة شحن مخصصة في مواقف السيارات، وستجد هذه السيارات مجمعة معًا. ومع ذلك، تمامًا كما يمكنك شحن هاتفك المحمول الآن عن طريق وضعه على لوحة شحن بدلًا من توصيله بالكهرباء، فإننا نتصور في النهاية أن أماكن انتظار السيارات ستشحن سيارتك في أثناء ركنها”.

جاهز للمستقبل

ذكر محمد عبيد مؤسس شركة إمكان للاستشارات المعمارية والهندسية: إن المطورين الذين لا يأخذون في الاعتبار مفاهيم النقل الناشئة في مشاريعهم قد لا يتمكنون من جذب المشترين في المستقبل.

على الرغم من أن الحكومة لم تعلن عن إرشادات محددة لمنشآت النقل في المشاريع العقارية، يقول عبيد إن المطورين يجب أن يأخذوا بالفعل في الاعتبار احتياجات البنية التحتية التي ستلبي هذه المطالب المستقبلية. فعلى سبيل المثال، تخصيص مساحة داخل المبنى أو بالقرب منه للمركبات ذاتية القيادة وإعداد البنية التحتية لاستيعاب إمدادات الطاقة في مواقف السيارات الكهربائية.

كما ذكر عبيد “أتوقع أن يستمر أوائل الذين تبنوا التكنولوجيا خلال السنوات العشر إلى العشرين القادمة، بينما سيكافح الآخرون في المستقبل”.

وفي حديثه عن مشاريعه الحالية، صرَّح عبيد إن بعض عملائه طلبوا تضمين المرافق التي ستدعم التشغيل السلس لوسائل النقل المستقبلية في مشاريعهم. وأضاف “يريد أحد العملاء الذي يبني منتجعًا في رأس الخيمة تضمين جميع المرافق اللازمة التي تدعم استخدام سيارات الأجرة الطائرة، وفي مشروع عميل آخر في الصحراء بالقرب من الحدود الجنوبية لدبي، يريد أن تكون سيارات الأجرة الطائرة هي وسيلة النقل الرئيسية”.

يرى عبيد أن وجه دبي سيتغير بشكل طفيف في السنوات العشر القادمة، ويتوقع أن يرى إمدادات الطاقة للسيارات الكهربائية متوفرة في معظم المباني. وذكر “ستكون سيارة الأجرة الطائرة مستخدمة، لكن ليس كثيرًا، وستقتصر على بعض السلطات فقط. ومع ذلك، في المستقبل، ستكون الطائرات بدون طيار ذاتية التحليق متاحة للجميع، ومثل السيارات، سيوقف الناس طائراتهم الطائرة بدون طيار في مبانيهم، خاصةً في دبي، المدينة التي دائمًا ما تبهرنا بالجديد”.

كما يعتقد أن استخدام الطائرات بدون طيار ضمن وسائل النقل سيساعد في جعل الشوارع تسير بشكل انسيابي، مع وجود طرق أكثر ضيقًا. وهذا بدوره سيشجع أسلوب حياة نشط كما ذكر.

“عادة ما يفضل الناس السير في شوارع ضيقة ومظللة أكثر من المناطق التي بها طرق سريعة. سيعود العرض الحالي للطرق المصممة للسيارات -حوالي 15 مترًا- إلى عرضه الأصلي الأصغر، مع إعطاء الأولوية لاحتياجات البشر، والتركيز على المناخ المحلي وسلامة الأطفال. ولا يؤدي تضييق الشوارع إلى توفير المزيد من المناطق المظللة فحسب، بل يقلل أيضًا من تأثير الجزر الحرارية”.

فيما يتعلق بتصميم مواقف المباني، يعتقد أنه سيكون لدى المصممين الآن خياران رئيسيان. ذكر عبيد “أحدهما على السطح لركاب الطائرات بدون طيار والآخر على الأرض للمشاة”. وأضاف “أماكن وقوف السيارات الموجودة حاليًا على الأرض في الأقبية والمباني متعددة الطوابق، سوف تُستبدل بمواقف للسيارات على الأسطح، مخصصة للطائرات بدون طيار. وعلى الأرجح، سوف تُستبدل مساحات وقوف السيارات الأرضية بالمناظر الطبيعية”.

المصدر: جلف نيوز